السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
إشتكت إلي والدة إحدى الأخوات الأوروبيات اللتي قد أسلمت حديثا ( و الوالدة لا تزال على النصرانية ) قائلة : ليتك تكلمينها.. عندما أخبرتني بنيتها الدخول في الإسلام، قلت لها "هذه حياتك؛ أنتِ حرة". و لكنها ما إن أسلمت و هي لا تفوت فرصة لكي تدعوني إلى الإسلام، رغم أنها تعلم تماماً أنني غير مهتمة بالموضوع. لا أفهم لم لا تدعني و شأني!
فقلت لها : لو كفت هي عن دعوتك، لدعوتك أنا !
و قبل أن تصفعني على وجهي رحت أحدثها عن واجب كل مسلم في الدعوة إلى الإسلام، لأن هذا الدين هو دين البشرية جمعاء الذي بشر به جميع الأنبياء، و لكن جوهره و حقيقة مبادئه و تعاليمه تخفى عن الكثير من الناس للأسف، لذلك كان التبليغ واجب علينا، و بعدها كل امرئ بما كسب رهين. و أن هذا الدين سر سعادتنا في الدنيا، لذلك نود مشاركته مع عشيرتنا الأقربين أولا، بدافع الحب قبل الواجب ، و أننا أمرنا بالتناصح و التوجيه حتى بين بعضنا البعض، إذ أن ديننا دين الجماعة و التكافل و و ..
إنتهى الكلام بوعد منها أن "تستمع" بعد أن تفهمت الدوافع، و لكن لا أخفيكم أن كلامي قد أثر في نفسي أنا أثراً عظيما ليس إعجابا بالنفس طبعا، و لكن إعجابا بجوهر الكلام، بمبدأ وجوب الدعوة و معناه.. فهذه الغريبة عن الإسلام، جعلتني لأول مرة أتفكر بالمعنى و الحكمة من كون الأمر بالمعروف فرضاً و ليس نفلاً..
والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده، ثم لتدعنه، فلا يستجاب لكم. حديث حسن
لا يختلف اثنان على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، حتى و لو بالقلب - و ذلك أضعف الإيمان. و الحث على الدعوة، حتى و لو بتبليغ آية : بلغوا عني ولو آية. حديث صحيح
و لكن ما يلتبس على الكثيرين، و يمنعهم من القيام بواجبهم الدعوي هو تفسير قوله تعالى :
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. البقرة 44
*****
كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ . الصف3
أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا تَعْقِلُونَ
الغرض من الآية الكريمة ، كما جاء في تفسير ابن كثير، هو ذمهم على خطئهم بحق أنفسهم بعدم فعلهم للخير الذي يأمرون به. أي ليس المراد ذمهم على أَمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له. فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم ولكن الواجب والأولى بالعالِم أن يفعله مع من أمرهم به ولا يتخلف عنهم كما قال شعيب علَيه السلام "وَمَا أُرِيد أَنْ أُخَالِفكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح مَا اِسْتَطَعْت وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيب".
فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أَصح قَولي العلماء من السلف والخلف.
لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة و فعله المعصِية لعلمه بها ومخالفته على بصِيرة، فإِنه ليس من يعلم كمن لا يعلم. ولهذا جاءت الأَحاديث في الوعيد على ذلك.
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّر أُولُو الْأَلْبَاب. الزمر 9
و روى ابن عساكر عن النبي صلى الله عليه وسلَم
إِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْل الْجَنَّة يَطَّلِعُونَ عَلَى أُنَاس مِنْ أَهْل النَّار فَيَقُولُونَ بِمَ دَخَلْتُمْ النَّار ؟ فُو اللَّه مَا دَخَلْنَا الْجَنَّة إِلَّا بِمَا تَعَلَّمْنَا مِنْكُمْ فَيَقُولُونَ إِنَّا كُنَّا نَقُول وَلَا نَفْعَل.
يقول سيد قطب رحمه الله :
...المطابقة بين القول والفعل , وبين العقيدة والسلوك , ليست أمرا هينا , ولا طريقا معبدا . إنها في حاجة إلى رياضة وجهد ومحاولة . وإلى صلة بالله , واستمداد منه , واستعانة بهديه . فملابسات الحياة وضروراتها واضطراراتها كثيرا ما تنأى بالفرد في واقعه عما يعتقده في ضميره , أو عما يدعو إليه غيره . والفرد الفاني ما لم يتصل بالقوة الخالدة ضعيف مهما كانت قوته , لأن قوى الشر والطغيان والإغواء أكبر منه ; وقد يغالبها مرة ومرة ومرة ; ولكن لحظة ضعف تنتابه فيتخاذل ويتهاوى , ويخسر ماضيه وحاضره ومستقبله ; فأما وهو يركن إلى قوة الأزل والأبد فهو قوي قوي , أقوى من كل قوي . قوي على شهوته وضعفه . قوي على ضروراته واضطراراته . قوي على ذوي القوة الذين يواجهونه.
قيل للحسن البصري: إن فلاناً لا يعظ , ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل.
فقال الحسن: وأينا يفعل ما يقول؟ ودّ الشيطان لو ظفر بهذا, فلم يُؤمر بمعروف ولم يُنه عن منكر.
لئن لم يعظ العاصين من هو مذنبُ ،، فمن يعظ العاصين بعد محمدُ
*****
" اللهُمَّ لا تجعلنا ممن يدل عليك ثُمَّ يعرض عنك ، ويدعو إليك ثمَّ يفر منك "
و الحمد لله رب العالمين