المسلم في هذه الحياة الدنيا له هدف عظيم وغاية كبيرة يسعى إليها في كل أعماله وأقواله وتصرفاته، وإن الجنة لهي الهدف الأسمى، والطريق إليها هو ما جعله الله سبحانه مقصوداً في قوله تعالى: (
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ).
فحديثنا عن..
المنافق ذو الوجهين... وسنضع أمام أعيننا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ".
هذا في الحقيقة هو تعريف "ذو الوجهين":
أنه من شر الناس يوم القيامة، وأنه يَتلقاك بالبشاشة، ويتَظاهر أمامك بأنه الصَّديقُ الوفيُّ الذي يَفرحُ إِذا فَرِحت، ويَحزن إذا حزنت، ويَسعد بسعادتِك، ويَشقى بشقائك، ولكنه في الواقع عكس ذلك تماماً.
وهذه الآفة من الآفات الخُلُقية الوبيلة، والموجودة بين الناس منذ القدم.
ولقد لعبت هذه الرذيلة الممقوتة دوراً خطيراً في تاريخ البشرية..
فكم من دول دبّت إليها عوامل الفناء، ونخرت في كيانها عناصر الانحلال عن طريق هذه الرذيلة؟!!
وكم من طوائف وجماعات استحكم بينها العداء، وتمكن منها التفرق والتمزق بسببها؟!!
وكم من أُسَر وأصدقاء أطاحت هذه الآفة بمودتهم، وقضت على وحدتهم، وعبثت بمصالحهم، وصيرتهم أعداء متحاربين بعد أن كانوا أصدقاء متحابين؟!!
وَصَفَ الحديثُ ذا الوجهين بأنه "من شر الناس" للمبالغة في ذمه.. والتنبيه على قبح عمله.. ولتصوير حالته بصورة ينفر منها المسلم، ويأباها المؤمن، ويتحاماها أصحاب العقول السليمة والأخلاق الفاضلة.
أخرج أبو داود من حديث عمار بن ياسر قال: " قال رسول الله: "
من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار"،
وعلى ذلك فإن أبرز وصف لذي الوجهين هو النفاق وأنه الذي يقوم على الكذب والاختلاق والتصنع، والرياء، والخداع، ولين القول..
يحاول صاحبه أن يلقى الناس بوجوه مختلفة، وأن يعامل كل منهم بما يرضيه عنه ويدنيه منه، ويحببه إلى قلبه.
بل ربما جمع بينه وبين النفاق العام.
ختاماً:فإن خصلة "ذو الوجهين" خصلة ذميمة وهى من سوء الخلق التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم.
والمسلم الحق هو الذي يتقي ويبتعد عن سوء الخلق ويعرف أنه خُلِق لعبادة ربه، وأن مكافأته على ذلك جنة عرضها السموات والأرض بعد رحمة الله سبحانه وتعالى، فعليه أن يزن أعماله كلها بهذا الميزان، فإن كان العمل مما يقرب لله فليلزمه، وإن كان العكس فليحذر ولا يأت ما يسخط الله، فإن هو فعل فقد عرّض نفسه لعقاب الله،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (
أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية21]
اللهم اكفنا شر ذي الوجهين.. وباعد بيننا وبينه.. ولا تجمعنا به أبداً يا رب العالمين.